“برج سيدي ميمون” في أصيلة ينهض من عزلته.. خطوة هادئة نحو مصالحة المدينة مع ذاكرتها المنسية
في تحرك ثقافي يحمل دلالات رمزية عميقة، أعاد المجلس الجماعي لمدينة أصيلة، فتح أبواب برج سيدي ميمون، أحد المعالم التاريخية المنسية، أمام الزوار، بعد سنوات طويلة من الإغلاق والتهميش.
يقع البرج في الزاوية الغربية للمدينة، ويعد جزءا من شبكة التحصينات البرتغالية التي شيدت خلال القرن الخامس عشر، حين احتل البرتغاليون المدينة سنة 1471.
وعلى الرغم من موقعه الإستراتيجي كمراقب لحركة السفن، ظل البرج خارج الاهتمام الرسمي والسياحي لعقود.
قرار إعادة فتح البرج تم دون ضجيج إعلامي أو تدشين رسمي، في خطوة اعتبرها مراقبون “تحولا ناعما” في فلسفة التعاطي مع التراث المحلي، إذ أتاح المجلس للجمهور دخول الموقع دون تهيئة مسبقة أو تغليف تجميلي، مفضلا أن “يتحدث البرج بلغته الأصلية” حسب تعبير بعض الفاعلين المحليين.
وقال الفاعل الجمعوي رضا العمراني “الرسالة ليست فقط في فتح البرج، بل في الاعتراف بوجوده… أصيلة عاشت طويلا على واجهتها الملونة، بينما ترك عمقها التاريخي للنسيان.”
الزائرة فاطمة، القادمة من العاصمة الرباط، وصفت تجربتها بقولها: “كأنك تدخل إلى فصل صامت من كتاب مفتوح على البحر، لا يشرح لكنه يحرك شيئا داخلك.”
برج سيدي ميمون لا يضاهي من حيث الحجم أو الشهرة معالم أخرى كبرج القمرة أو برج القريقية، لكنه يتميز بأصالة معمارية لم تمس، وبقدرة فريدة على خلق لحظة تأمل صافية بين البحر والجدران الحجرية.
وينظر إلى هذه الخطوة ضمن مسار أوسع لإعادة الاعتبار للتراث المحلي، إذ كشف أحد المستشارين الجماعيين أن المجلس يدرس تحرير مواقع أثرية إضافية، من ضمنها باب القريقية، وربما تخصيص ميزانيات لصيانة معالم مهجورة في ضواحي المدينة.
وفي هذا السياق، يرى المتتبعون أن المجلس الجماعي يسعى لتجاوز الصورة النمطية التي اختزلت أصيلة في مهرجاناتها وجدرانها المزينة، عبر إعادة دمج معالمها التاريخية في الحياة اليومية للمدينة، واستثمارها في تكوين هوية سياحية وثقافية متوازنة.
هل يشكل فتح برج سيدي ميمون بداية مسار جديد في علاقة أصيلة بذاكرتها؟ سؤال مفتوح، لكنه يشي بتحول هادئ في مدينة طالما ارتبط اسمها بالألوان والاحتفالات، أكثر مما ارتبط بالحجر والتاريخ.