ثقافة وفنون

أسامة عبد الدايم يغني من الذاكرة الأندلسية بنبض مغربي معاصر

في لحظة مشحونة بالوجد والإلهام، يطل الفنان المغربي أسامة عبد الدايم بأغنية جديدة عنوانها “خادت قلبي”، تندرج ضمن مشروع فني يتقاطع فيه الإبداع مع الذاكرة الجماعية، حيث تتماهى فيها الأنغام الأندلسية مع الحس المغربي في قالب معاصر نابض بالشغف والهوية.

هذا العمل، الذي كتبه ولحنه وليد مرشد ووزعه موسيقيًا عماد الشليحي، لا يقتصر على كونه نتاجًا غنائيًا، بل يمثل لحظة استعادة ثقافية، تستحضر قرونًا من التفاعل الحضاري بين ضفتي المتوسط. فالأغنية، بلغة شاعرية وعاطفية، تُعيد رسم خريطة الوجد بين المغرب والأندلس، عبر صوت عبد الدايم الذي يحمل ملامح الشرق وينفتح على الغرب بروحٍ موسيقية خالصة.

المخرج نبيل الحمري اختار مدينة برشلونة كخلفية بصرية للكليب، حيث تتنفس الجدران عبق الأندلس القديمة، وتتماهى الأزقة مع إيقاعات العمل، ليخلق فضاءً سينمائيًا يحتفي بالهوية ويستدعي التاريخ من خلال عدسة معاصرة. تلك الخلفية البصرية لم تكن مجرد ديكور، بل كانت شريكًا فعليًا في السرد البصري الذي يتداخل فيه الماضي بالحاضر، وتنبض فيه الشوارع بموسيقى الذكرى.

راقصة الباليه المعاصرة Volga، بحركاتها المترجمة للوجدان، تضيف بعدًا جماليًا خاصًا، حيث تتحوّل الأجساد إلى لغة بديلة عن الكلمة، وتمنح الصورة ديناميكية حية تتكامل مع الصوت والإيقاع. حركتها بين تفاصيل المكان تتجلى كرقصة للذاكرة، تنبض بالحياة على إيقاع الفلامنكو ومقامات الشرق.

في كل مشهد، نجد رموزًا مغربية تنسج الحكاية: القفطان، الجلابة، الزليج التقليدي، وحتى الضوء المندلق على جدران برشلونة، كلها مكونات بصرية تؤلف سيمفونية من الهوية والانتماء. هذا اللقاء بين الثقافي والفني يمنح الأغنية عمقًا تأويليًا، يجعل منها عملًا بصريًا غنائيًا متكاملاً.

يأتي صوت عبد الدايم في هذا العمل محملًا بعاطفة خالصة وقدرة على المزج بين الطرب الأصيل والإحساس المعاصر، فينقل المستمع بين ضفاف موسيقية متعددة، دون أن يفقد بوصلته الجمالية. وكأن “خادت قلبي” تحاول أن تجيب عن سؤال الهوية من خلال الفن، فترتقي بالأغنية إلى مصاف الحوار الحضاري بين الشعوب.

أما على مستوى التوزيع الموسيقي، فقد جاءت المعالجة كأنها رسم بخيوط صوتية: العود المغربي يهمس من جهة، بينما الجيتار الإسباني يشتعل من الجهة الأخرى، في تناغم لا يخلو من التجريب، لكنه يظل وفيًا لجذور موسيقية ضاربة في العمق.

“خادت قلبي” ليست مجرد إنتاج فني جديد، بل هي رؤية ثقافية متكاملة، تعكس صورة الفن حين يتحول إلى جسر بين الذاكرة والتجديد، بين الأنا والآخر، بين الشرق والغرب. إنها دعوة للاستماع والتأمل، لرؤية المغرب بعيون تتطلع إلى العالم، وتُصغي لأندلس لا تزال تُغني فينا.

[totalpoll id="28848"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى