السُّلْطَـــــة الــــــرَّابِعَــــــة.. مَوْقِعُها بَيْن الحُقُوق والمُمَارَسَة
بقلم: عبد الإله شفيشو|فاس
عُرفت الصحافة بلقب “صاحب الجلالة” أما مصطلح “السلطة الرابعة” فتعود نشأته إلى بداية بزوغ فجر الأنظمة الديمقراطيّة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عندما قال حينها المفكّر البريطاني “أدموند بروك” في إحدى جلسات مجلس البرلمان البريطاني: (هناك ثلاث سلطاتٍ تجتمع هنا تحت سقف البرلمان، لكن في قاعة المراسلين تجلس السلطة الرابعة وهي أهمّ منكم جميعاً)، ويقول “مالكوم إكس”: (وسائل الإعلام هي الكيان الأقوى على وجه الأرض، لديها القدرة على جعل الأبرياء مذنبين وجعل المذنبين أبرياء، وهذه هي القوة لأنها تتحكّم في عقول الجماهير)، وأيضاً قال “فيكتور هوغو”: (بما أنني أريد السيادة الوطنية في كل حقيقتها، فإنني أريد الصحافة في كل حريتها).
السلطة الرابعة تتمثل قدرتها في مراقبة السلطات الثلاث الأخرى التشريعية والتنفيذية والقضائية ومحاسبتها فدورها الأساسي هو نقل المعلومات بحيادية وشفافية وتشمل أيضا توجيه الرأي العام وتشكيل الوعي المجتمعي وتعزيز الديمقراطية ومع ذلك فإن تأثيرها يتضاءل في بعض الأحيان بسبب تأثير أصحاب رأس المال والرقابة الحكومية مما قد يحولها إلى أداة للتضليل بدلا من كونها رقيبا، فالسلطة الرابعة مثلا في المغرب خاصة الهادفة منها تتخبط في جملة من المشاكل وتعترض طريق نزاهتها عدة عقبات في ظل إستمرار إشكالية الدعم المادي وما يترتب عن ذلك من أزمات، في المقابل هناك بعض المواقع يمكن أن نقول إنها فارغة من حيث المحتوى بسبب الأخبار التي تنشرها فهي إما أن تكون زائفة أو أن هذه الأخبار تكون غير ذات أساس صحفي يريد أصحابها فقط البحث عن البوز وجمع أكبر عدد من اللايكات.
فماذا يمكن أن نستنتج من هذا الوضع؟ الجواب حتما يملكه أولئك الذين يقدمون أنفسهم كسلطة رابعة وهم في الحقيقة يقدمون أخبارا خاوية لا تقدم ولا تؤخر فمثلا لما ترتبط بعض الأخبار بالرياضية نموذجا لما قرر اللاعب المغربي ”إبراهيم دياز” حمله لقميص المنتخب الوطني بحيث صنفته بعض المواقع الإعلامية كقضية وطنية بل منها من رقاها إلى قضية دولة وهنا تكمن الخطورة حيث يتم تضليل القراء بأخبار لا تمت بصلة للقضايا الوطنية الحقيقية وتحويل بوصلتهم إلى قضايا تبقى في الأول والأخير أمورا شخصية لأصحابها ولا تهم الآخرين في شيء لكن يتم بها إستغلال سذاجة وقصور الوعي لدى فئات عريضة في المجتمع، هذا كله بهدف ضرب الأهداف الإجتماعية والمعرفية والثقافية التي وجدت من أجلها السلطة الرابعة التي يمكن أن نقرنها بالحصافة والحصيف من يستخدم عقله وجاد رأيه وهذا ما لا تقوم عليه معظم الأخبار التي أصبحت تعج بها بعض المواقع، مما يطرح أزمة بنيوية في القطاع ويسائل أصحاب تلك المواقع لأن السلطة الرابعة هي مرآة للدولة تعكس صورة البلاد خارجيا أكثر من الداخل.
إن السلطة الرابعة هي نتاج أنظمةٍ ديمقراطيّةٍ تضطلع بدورين رئيسيّين أولا مراقبة أداء السلطات الأخرى وثانيا تمثيل مصالح الشعوب لكن في الوقت الذي تقوم الدولة بسلب حريّة الإعلام وتحجيم دوره وجعله مجرد أبواقٍ للطبقة السياسيّة الحاكمة يعني هذا الإطاحة بركنٍ أساسي من أركان الديمقراطيّة التي كرّستها المواثيق الدوليّة والعودة إلى الأنظمة الديكتاتوريّة وإلى العقليّة الرجعيّة التي تهدف إستعباد الناس، فالدليل على القوّة الهائلة التي تتمتّع بها السلطة الرابعة هو الدور الرئيسي الذي لعبه الإعلام في التطورات السياسيّة التي حدثت في العالم العربي (الربيع العربي) من خلال هزّ عروش بعض الزعماء الذين إستأثروا بالسلطة لسنين عديدة وفضح فساد حاشيتهم والقيام بالتعبئة التي ساهمت في نشوء التحرّكات والمسيرات الداعية لتحسين الأوضاع السياسيّة والإقتصادية والإجتماعيّة في بلدانٍ إعتاد حكّامها على قمع شعوبهم وإسكات إعلامهم.
