
في الحاجة إلى “9 أبريل”جديد!
اختار المشرفون على هذا الموقع الإخباري الجديد اسم “9 أبريل” عنوانا له،إن لهاته التسمية حتما دلالات تاريخية لا تخفى، وإن الحدث الذي تؤرخ له يظل إحدى نقط الانعطاف المهمة في تاريخ مغرب القرن العشرين. صحيح أن الزمن ليس زمن تخليد ذكرى ذاك الحدث، إلا أن ثمة سؤالا قد يطرح نفسه بإلحاح على كل مغربي أو مغربية يهمهما أمر هذا الوطن: هل نحن بحاجة إلى “9 أبريل” جديد؟
يمر المغرب اليوم بمرحلة لم تسلم منها كل البلدان التي أرادت تحقيق الانتقال نحو وضعية أكثر ديموقراطية وحداثة واستقرارا. إنها تلك المرحلة التي تختلف فيها الأولويات – وتتعارض أحيانا- ويتنازع فيها الفاعلون، فيسود قلق ممزوج بشك وريبة يعبر عنهما بصور شتى. إنها مرحلة اعتيادية إذن، لكنها تتطلب عادة أجوبة غير روتينية. ولأن حدث زيارة السلطان محمد الخامس لمدينة طنجة في 9 أبريل 1947 كان جوابا استثنائيا على أسئلة معقدة فرضها آنذاك الوضع الداخلي المغربي، والواقعان الإقليمي والدولي أيضا، فإن العودة للبحث في ثناياه عن بعض عناصر الجواب المأمول، قد تكون ذات فائدة.
إن كلمة السر في تلك الزيارة وكذا الخطاب الذي ألقي أثناءها، تظل بلا منازع هي “الوحدة الوطنية”. ونحن اليوم بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى. لقد استجدت في واقعنا المعيش أحداث اجتماعية بتعبيرات سياسية وثقافية متفاوتة في حدة نبرتها، دفعت البعض إلى توهم إمكانية تحرك بعض قاطرات الوطن منفردة، بينما زعم آخرون أن قطار المغرب يمكنه التقدم نحو الأمام دون حاجة إلى بعض قاطراته. إن المغرب الذي أراده خطاب 1947 مستقلا تحت ظل وحدة يلتئم حولها شمل كل جغرافيته المحتلة آنذاك، هو نفسه مغرب اليوم الذي لا يمكنه أن يتقدم نحو بناء دولته الديموقراطية الحديثة إلا في إطار وحدة جغرافية وسوسيو- ثقافية وسيكولوجية تضمن لقراءة التاريخ نسبيتها، وتمنع أثقال الماضي من أن تتحول إلى عقبات كؤود في وجه الحاضر والمستقبل. غير أن هذه الوحدة المجتمعية لن تنضج إلا إذا عززتها وحدة النخب ضمن إطار تعاقدي يضع المصلحة العامة في مقدمة الخيارات، وينتصر لأولويات “الجماعة الوطنية” على حساب هوامش الصراعات السياسية والأيديولوجية. إن السلطان محمد الخامس ورجالات الحركة الوطنية لم يكونوا في أربعينيات القرن العشرين منسجمين بالكلية في نظرتهم لجميع القضايا المطروحة آنذاك، لكنهم استطاعوا تحديد أولوية “الاستقلال” ثم التفرغ لها، على حساب كل الاستطرادات والاعتراضات التي كان لديهم جميعهم ما يبررها. وإن أولويات من قبيل الديموقراطية والعدالة والتنمية والتعليم، لهي قمينة اليوم بأن تدفع المغرب خطوات على طريق النهوض، إذا أخلص لها الجميع وتوحدت لخدمتها كل المشارب، أفرادا ومؤسسات وهيآت…
وثمة درس بليغ آخر يقدمه لنا حدث “9 أبريل”، يتعلق الأمر بالشجاعة في اتخاذ القرار مع استقلاليته وحسن استغلال فرض الدفاع عنه. لقد عمل الوطنيون المغاربة ومعهم السلطان على توظيف واقعي الفراغ والشك اللذين طبعا العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة في ظل التراجع المهول لهيمنة القوى التقليدية – وضمنها فرنسا- لصالح قوى جديدة. ضمن ذاك السياق إذن تحركوا، وفي كل الاتجاهات، من أجل تسويق صورة المخاطب القوي الواثق من نفسه والمحدد بدقة لغاياته. ولقد فعلوا ذلك ضدا على إرادة المستعمر الذي جاءت ردود فعله مثقلة عنفا ودماء. إنها سيكولوجية الأمل والثقة! إن عالمنا المضطرب اليوم محتاج غاية الاحتياج إلى تينك الشجاعة والاستقلالية في القرار، خاصة وأن غمامة الشك قد عادت لتلف العلاقات بين فاعليه من جديد. وإن إعادة الأقوياء ترتيب أولوياتهم يمنح شركاء الصفوف الخلفية فرصا أكبر لفرض الذات وتحقيق بعض المكاسب دون الوقوع في تبعية مطلقة لجهة ما. لن يكون الطريق مفروشا بالورود حتما، ولكن القرن الحادي والعشرين بعولمته وليبراليته المتنفذتين، وكذا تغير بعض موازين القوة فيه، يمنح “الشجعان” إمكانيات أفضل لتوسيع هوامش الربح وضمان المصالح والتقدم ولو ببطء، بهدف الوصول ولو مع التأخر، وخوفا من عدم الوصول والبقاء مدة أطول في مناطق العتمة.
تمسون على وحدة…تمسون على قرارات مستقلة وشجاعة.
صهيب الدبدوبي
ذ. التاريخ والجغرافيا