أليس فيكم رجل رشيد!
حتى زمن قريب كانت مدينة طنجة مضرب المثل في الرقي الإجتماعي، بل ونموذجا صارخا في التعايش والاندماج مع الآخر، كيف لا وهي بوابة العالم الثالث المطل على الحضارة، حتى خرج بعض الشرذمة مساء أمس في مسيرة “الجهل” إلى الشارع في خرق سافر لحالة الطوارئ الصحية التي فرضتها الدولة للحد من تفشي فيروس “كورونا” القاتل، معلنين بهذا الفعل الأرعن نسف مجهودات السلطات، غير مبالين بصبر الناس على قرار الحجر الصحي، فقادوا مسيرات في عدد من أحياء المدينة مكبرين ومهللين، وكأنهم حققوا نصرا عظيما على وباء عجز العقل البشري لحد الساعة عن اكتشاف دواء فعال له خال من أية مضاعفات.
ما وقع أمس، هو محاولة بئيسة من جهة معلومة تنشر الجهل وتكرس للعصيان، حاولت تهييج مواطنين قهرهم قرار البقاء في منازلهم، فلم يكتفوا بالتهليل من النوافذ والأسطح، بل خرجوا في مسيرات بمكبرات الصوت عبر واعيين بانعكاس هذا التصرف الناقص على الإفراد وعلى الجماعات، وهو ما يعطي الإنطباع أن الأمر كان مدروسا ومدبرا بليل.
الكل يتساءل لماذا تجاهلت السلطات هذه المسيرات ولم تتدخل لمنعها وكبح جماحها في مهدها؟ وتحديدا في مداخل ومخارج الأحياء، أليس من المفروض أن تكون المراقبة في هذه الأحياء المكتظة بالساكنة؟ ألسنا في حالة طوارئ صحية؟ ألم تقرر السلطات عقوبات ضد المخالفين لحظر التجوال؟ ما الجدوى من التسويق للخروج الجيش إلى الشارع إن لم يكن قادر على نسف مثل هذه الشرذمة؟
بالمقابل، أليست وجوه المخالفين لحظر التجوال معروفة؟ وكانت تظهر بشكل لافت في مقاطع الفيدوهات التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الإجتماعي وجرت على طنجة وساكنتها وابلا من الشتائم؟ لماذا لم تتحرك السلطات لإيقافهم؟
ما وقع أمس قد يتكرر هذه الليلة. هنا تقع مسؤولية كبيرة على السلطات العمومية في وضع خطة لصد أي محاولة الخروج إلى الشارع عبر مسيرات كما حصل أمس، ووضع حد لهذا الإنزلاق الذي قد يتسبب في كوراث صحية لا قبل للمصالح الطبية بها، اليوم نحن في حاجة إلى تعيد الدولة هيبتها، والهيبة لا تعود في مثل هذه المواقف إلا ب”العين الحمرة”.