في غياب الحقيقة.. الإشاعة والنميمة والكذب يتحكمون في المشهد الإنتخابي بطنجة
مع اقتراب موعد الإستحقاقات الإنتخابية، تسرب إلى وسائل الإعلام أحاديث وأقاويل وتصريحات، الغرض منها يكون إما التشويش على طرف، أو خلق فتنة بين الأطراف المرشحة والمتصارعة على المقاعد الإنتخابية، وغالبا ما تعطى تفسيرات غير صحيحة، لعدد من المواقف، بل حتى إذا جلس مرشح سياسي له وزن انتخابي في المدينة مع مرشح من حزب آخر، تنطلق إشاعات فلان سيدعم فلان، وفلان سوف ينتقل إلى الحزب الفلاني غير أن الحقيقة تكون غير ذلك.
هنا في مدينة طنجة يكاد ينطبق ما أشرنا إليه سابقا، على بعض الوقائع والأحداث حول رموز سياسية وتحركاتها بالمدينة، والتي تحتاج إلى كثير من التدقيق.
نجد الجميع يتحدث مثلا، عن رئيس الغرفة المتوسيطة للصيد البحري والمستشار البرلماني، يوسف بنجلون، كونه انتقل إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، قادما إليه من حزب العدالة والتنمية، وسوف يترشح باسم “الأحرار”، غير أن الرجل لا تجمعه وثيقة رسمية أو حتى بطاقة العضوية بحزب “التجمع”.
أكثر من ذلك فإن الرجل لم يصرح في أي وسيلة إعلامية كونه انتقل إلى حزب “التجمع”، علما أن المجلس الدستوري قبل حديثا استقالته من غرفة المستشارين (قبل نحو يومين).
وإذا كان الرجل يدعم “الأحرار” فإن أشكال وأنواع الدعم تختلف، وليس كونه يدعم الحزب فهو بالضرورة يكون قد التحق به. ومعروف أن دعم بنجلون للأحرار مرتبط بشكل أساسي بعلاقة الرجل برئيس الحزب، عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، وقد اشتغلا معا لإنجاح مخطط “أليوتيس 1”.
ثانيا، فيما يتعلق برئيس مجلس عمالة طنجة أصيلة، عبد الحميد أبرشان، هذا الرجل الذي يستغرب الجميع كيف ينتقل من حزب لآخر، والبعض يشير إليه بأصابع الانتقاد كونه صار متجولا من حزب لآخر، وكثير من الكلام، الذي يحتاج إلى تدقيق وإلى معرفة ما يجري، ولماذا لم يعلن الرجل لحد الساعة عن الحزب الذي سيخوض معه الإنتخابات الجماعية والبرلمانية؟
قصة الرجل مع هذا اللغط بدأت قبل أشهر قليلة، عندما ظهر أبرشان رفقة رئيس حزب “التجمع” عزيز أخنوش، وعضو المكتب السياسي رشيد الطالبي العلمي، في صورة تداولتها مواقع التواصل الإجتماعي، تفيد أن الرجل انتقل إلى “الأحرار” وسيخوض الإنتخابات باسمه.
انتقال أبرشان إلى الأحرار، وهي الصفقة التي رعاها يوسف بنجلون، كان هدفها واضحا، هو تقوية الحزب، والعمل على الحصول على نتائج مهمة خلال الإنتخابات واسترجاع هبة “الأحرار” ومقعده البرلماني الذي ظل يفوز به لسنوات، وحصد نتائج مشرفة في الجماعات.
ولتحقيق هذا الهدف، بدأ أبرشان في الإشتغال، وهو الذي يجر وراءه ولايتين متتاليتين كرئيس لمجلس العمالة، وقد راكم تجربة طويلة ومهمة، سيما في تواصله وعلاقاته مع رؤساء الجماعات القروية التابعة للإقليم، وبالتالي يدرك أبرشان جيدا أن الحصول على مقعد برلماني، وحصد الأصوات في الإنتخابات الجماعية يحتاج إلى التجربة والدهاء السياسي ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
هنا اختلف أبرشان مع مسؤولي حزب “التجمع” بطنجة. الرجل كان يطالب بلوائح قوية سيما في مقاطعتي السواني والمدينة، وتقوية لائحة الجهة من خلال جلب أسماء لها نفوذ في البوادي.
مسؤولو “الأحرار” كان لهم رأي آخر، وهو أنهم طيلة المدة الأخيرة، ما يقارب 3 سنوات، وهو يهيكلون الحزب ويجلبون الأطر، وبالتالي لايمكن إبعادهم بجرة قلم أو نزولا عند رغبة الوافد الجديد.
هنا توترت الأمور، بين الطرفين، ولم تنجح مساعي التهدئة ورأب الصدع وإنهاء الخلاف بين الاطراف، رغم أنهما احتكما لرئيس الحزب الذي ظل عاجزا عن إيجاد مخرج لإنهاء الأزمة.
في ظل هذه الظروف انسحب أبرشان، وأعلن عودته إلى حزب الإتحاد الدستوري، الذي لم يحمس منسقه الجهوي بكلمة حول ما جرى، سيما وأن أبرشان لم يقدم حتى استقالته من حزب “الحصان” وبالتالي عودته بدت جد طبيعية.
أبرشان لم يخف رغبته في الترشح لعمودية طنجة، ونظرا لمساره السياسي، فالرجل تبقى حظوظه قوية جدا للظفر بهذا المقعد، سيما وأنه يحظى بدعم العدالة والتنمية من جهة، وقوة ونفوذ يوسف بنجلون الإنتخابية من جهة ثانية.
يدرك أبرشان جيدا أن تسيير جماعة طنجة، والتي سبق إليها حزب “المصباح” الذي خرج بحصيلة مشرفة في التدبير، هي أصعب شيء قد يواجهه في مساره السياسي وهو سيف ذو حدين، هنا يفهم تريت الرجل وقراءته للأوراق وللمعطيات السياسية بشكل دقيق قبل أن يعلن أية خطوة سياسية مقبلة.
والكل يدرك أن هذه الإنتخابات ستكون مغايرة تماما عن انتخابات 2009، حيث فرض الأمر الواقع والقصة معروفة لدى الجميع، ثم انتخابات 2015 حيث حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة، والتي من المستبعد تكرار التجربة بسبب القوانين الإنتخابية الجديدة، لذلك ستكون انتخابات 2021 بمثابة عملية انتخابية سلسة، ستتحكم فيها المعطيات الجيوسياسية والمتغيرات الدولية، وتبقى مدينة طنجة كبوابة إفريقيا على العالم محط أنظار الجميع.
من هنا، يحتاج عمدة طنجة المقبل إلى فريق قوي ومتجانس ومحترف، وقادر على حل الإشكالات، لهذا الهدف يسعى أبرشان لبناء لوائح تضم أسماء قوية في المقاطعات الأربع للمدينة، وبعد ذلك يمكن أن يخوض الإنتخابات تحت لواء أي حزب يراه مناسبا.
“الحزب مهم بأهمية الفريق الذي يشتغل فيه”، هكذا يقول لسان حال حميد أبرشان المرشح القوي لنيل عمودية المدينة.
من خلال كل ما سبق، فإن ما يروج من كلام و إشاعات يصعب تصديقها ما لم يتم الوقوف عند حقيقة الأمور، ومعرفة التاريخ الإنتخابي والسياسي للفاعلين، وكذا الميكانيزمات والآليات التي تجعلهم يتحركون ويبنون قناعاتهم السياسية والإنتخابية.