بدون مجاملة

الشعبي يكتب : رجل إعلام ورجل “جمارك”

لم أكن أعرف سبب انزعاجه الكبير من تحركاتي الإعلامية.. لم أكن أفهم سبب توتره المبالغ  فيه من مواقفي ومشاركتي في الأنشطة التواصلية والجمعوية بشمال المملكة المغربية.

هل كان ينظر للعالية طنجة، كمنطقة حدودية مع شبه الجزيرة الإيبيرية، كنقطة توتر تحتاج للمزيد من الضبط والرقابة الدائمة؟ هل اختلطت عليه الأمور وبات لا يفرق بين الأفكار والسلع.. وبين عملية مكافحة التهريب بين عملية مكافحة التواصل؟

عندما جاء به وزير الاتصال السابق مصطفى الخلفي -الذي أحييه بالمناسبة- من إدارة الجمارك إلى إدارة الاتصال، وعينه في منصب أكبر منه، تذكرت تعيين الراحل الحسن الثاني لوزير داخليته على قطاع الإعلام والاتصال.

حينما عُين صاحبنا كاتبا عاما للاتصال، اختلطت عليه الأمور، وأصبح ينظر للعاملين بالوزارة ككائنات مشتبه بها، لا يميز بين “الحد من الأنشطة غير المشروعة” في مجال التجارة، عن طريق مكافحة التهريب، وبين إدارة الاتصال التي تعتمد على التواصل والإخبار وحرية تبادل المعلومات، فوضع  المتارس أمام الأبواب وزرع الكاميرات في كل مكان ونشر أعينه بين المكاتب وتحت الجدران.

كان صاحبنا، الذي اعتبره البعض أسوأ كاتب عام عرفه قطاع الاتصال، ينظر لمهمتي وعملي كمسؤول عن الإعلام والاتصال بجهة الشمال، كما ينظر الجمركي لعملية تجارية غير مشروعة، يجب حجزها ومكافحتها.

كنت أشعر دوما أن المركز حاضر بقوة بالجهة وأن أعينه المبثوثة هنا وهناك، تلاحقني في الإدارة والشارع والمقهى.. وأعين أخرى -متخصصة هذه المرة في البحث على الإنترنيت- تلاحق كتاباتي في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى اعتقدت أن زمن سنوات الرصاص عاد من جديد، عندما كان رجال الأمن والاستخبارات يلاحقون الإعلاميين آناء الليل وأطراف النهار.

كان كاتبنا السابق حاضرا تقريبا بعد نهاية كل أنشطتي الإعلامية، كأنني مسؤول في سراح مؤقت، يسألني من خلال هاتفه -الذي أشك في ذكاءه-: “لماذا قلت هذا؟ ولماذا استضفت ذاك؟”، بل في بعض الأحيان كان يرتدي جبة “الجلاد” ويستعيد صفة الضبط الجمركي ليقول لي “إن دورك الأول كمسؤول هو أن تسكت”، كانت هذه العبارة “البوليسية” بقدر ما تثير شفقتي على مسؤول جمركي جاء خطأً لقطاع الاتصال، بقدر ما كانت تصدمني، لأنها ببساطة كانت تذكرني بما سبق أن قاله وزير الداخلية الراحل إدريس البصري للصحافي خالد الجامعي، رئيس تحرير “لوبنيون”: (شكون انتَ؟)، أو ما ردده خليفة البصري، أحمد الميداوي في حوار مع القناة الأولى في زمنٍ مضى للصحافي أبو بكر الجامعي، مدير نشر أسبوعية “لوجورنال”: (لو كنت إبني لأعدت تربيتك!)، هكذا كان صاحبنا يتوهم أن أسرنا وتعليمنا فشل في تربيتنا.

إن لكل أمر أهله ولكل ميدان رجاله، وما عدا ذلك، خيانة للوطن وتقويض للسياسات العمومية وإهانة للمواطنين.

إلى اللقاء…

[totalpoll id="28848"]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى