لكم الكلمة

امحجور يكتب: الأسعار تستعر والحكومة تستتر والثقة تندثر

 

مرة أخرى ترتفع أثمنة المحروقات، ويبدو أنها لن تتوقف عن الارتفاع، والغالب أنها ستكسر كل الأرقام، والحقائق والوقائع الموضوعية تشير وتنبئ بأن القادم أسوأ..

وليس خاف اليوم أن آثارا وتداعيات غير مسبوقة ستنتج عن الحرب العالمية المستترة التي تدور رحاها في أوكرانيا، وهي حرب ليست فيها هذه الأخيرة إلا واجهة وكومبارسا لصراع الجبابرة، الذين لا تهمهم تفاصيل الأحداث ولا “الآثار الجانبية” لمعارك الوجود والحدود. وما من شك أن هذا السياق يضغط بثقله على دول العالم، وهو معركة مستمرة لكسر “العظام”.

ولا يمكن لأي متابع موضوعي أن ينكر ما لهذا السياق من أثر واضح وبين على ارتفاع أثمنة المحروقات وارتفاع معدلات التضخم وانعكاس كل ذلك على القدرة الشرائية لأغلب شعوب العالم، ويزيد من هول ذلك ما صار معلوما اليوم من مضاربات يتحكم فيها تجار الحروب والأزمات، وهو الأمر الذي صار حديثا عاما لكثير من المسؤولين السياسيين الغربيين الذين يتساءلون عن جدوى وأثر كثير من إجراءاتهم الاجتماعية التي تنكسر آثارها أمام الجشع الذي لا يتوقف لهؤلاء التجار.

لكن لماذا يزداد الاحتقان والغضب من هذه الارتفاعات المتتالية والصادمة لأثمنة المحروقات ببلادنا؟ ولماذا لا يتفهم كثير منا هذه الإكراهات التي “لا يد للحكومة فيها”؟

أعتقد أن مرد ذلك يعود للأسباب الأساسية التالية:

أولا، ضعف كبير في إنتاج سياسات وقرارات عمومية واضحة المعالم والأهداف، ذات صلة بملف المحروقات وذات أثر مباشر على عموم المواطنين.

ثانيا؛ ضعف في الخطاب السياسي، وفقر في التواصل من قبل “كفاءات” الثامن من شتنبر، التي لا تنتج لحدود اليوم خطابا واضحا يبين ويفسر ويقنع النخب والمهتمين فضلا عن عموم المواطنات والمواطنين، فالسياسي قبل أن يكون “مدبرا جيدا” وهذا الأمر مطلوب ومرغوب – بيد اننا لم نرى بعد شيئا من ذلك يخرق العادة ويأتي بما لم يأت به السابقون- هو بالأساس منتج للخطاب وهو أيضا مسؤول عن حسن التواصل والإقناع؛

ثالثا، التضارب الفاقع في المصالح بين رئيس حكومة من جهة، والذي من المفروض فيه أن ينتج سياسات عمومية عادلة وقرارات حكومية رادعة وإجراءات رقابية فعالة تضبط سوق المحروقات باعتباره سوقا عرضانيا متعدي الأثر، وهو المعني الأول بتداعيات الحروب والأزمات المستمرة التي أشرنا إليها سابقا؛ ومن جهة أخرى نجد مالك الشركات المهيمنة والرائدة في نفس السوق.. فرئيس حكومتنا كما يعلم العالم هو نفسه مالك لكل سلسلة القيم الخاصة بهذا القطاع، استيرادا وتخزينا وتوزيعا بالجملة وبيعا بالتقسيط.. وهي كلها مهن تنتج هوامش ربح خاصة بكل واحدة منها على حدة، وبالمناسبة لا يشكل هامش الربح الخاص بمحطات البنزين إلا جزءا واحدا منها ..
فكيف يمكن أن يتجرد “رب الشركات” من كل هذا ويولي وجهه قبلة يرضاها عموم الشعب؟ كيف له أن يكون رئيس حكومة تدبر “الدولة الاجتماعية” وفي نفس الوقت يملك “هولدينغ رأسمالي” وظيفته الطبيعية هي تحقيق أكبر وأعلى الأرباح؟ ثم بالله عليكم متى وأين كان رأس المال ينتج الخدمات للمقهورين ويدبر أمور “دولتهم الاجتماعية”؟ إن هذا لأمر عجاب…

ختاما قد يكون ثمن المحروقات الذي نراه يزداد كل يوم ثمنا حقيقيا يعكس ارتفاع الأسعار في السوق الدولي، وقد نذهب بعيدا ونصدق أن هوامش الربح غير الأخلاقية انتهت ولم يعد لها وجود، لكن كيف السبيل إلى أن يثق الناس بأن كل هذا صحيح وحقيقي؟ كيف لهم أن يثقوا وهم ينتظرون مآل الغرامات التي أثبتها وأقرها مجلس المنافسة ضد شركات المحروقات ولعل ذلك بحسب التسريبات بسبب هوامش ربح غير أخلاقية وتواطؤ على “تثبيت” الأسعار؟ كيف لهم أن يثقوا في وجود “نية حكومية” لدعم الفقراء وردع الشركات وهم يطلعون على منشورات منتظمة تشير إلى ارتفاع مستمر ومنتظم لثروة رئيس الحكومة في مقابل انهيار مدخرات الأسر وعسر أحوالهم المعاشية وانهيار قدراتهم الشرائية؟ كيف لهم ألا يصدقوا ذلك والرئيس المعني بالأمر لم يصدر أي توضيح أو بيان؟..كيف وكيف ثم كيف؟
يمكننا أن نستمر في طرح أسئلة كثيرة مثل هذه ولا نجد لها أجوبة نرجوها وننتظرها مهما كان لونها وطعمها ورائحتها.. فقط “ابعث لي جواب..وطمني”.

والخلاصة، إن الأزمات ستستمر، وآثارها أيضا لن تتوقف ونحن مقبلون كما العالم أجمع على لحظات أصعب وأعقد، وفي مثل هذه الظروف نحتاج إلى “الكفاءات” التي قيل لنا أنها ستملأ لنا الوطن عدلا ونماء وهناء، وإذا لا قدر الله لم تكن لها حاجة اليوم فمتى يكون ذلك؟ ألم نقل يوما أن لمثل هذه الأزمات تصلح “الكفاءات”؟

هل ستقوم الحكومة بفتح الحدود في وجه المسافرين قريبا ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى