السعدي يكتب.. المتآمرون على الوطن
هل يدرك زعماء الأحزاب السياسية المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقهم، ومدى الرهان الموضوع عليهم من أجل العبور نحو حياة سياسية أكثر ديمقراطية؟. السؤال أن هناك بالفعل من يدركون خطورة الموقف، لكن هناك أيضا بعض قادة الأحزاب مازالوا يعيشون في الماضي ويتصور كل منهم أنه يمكن أن ينتزع الزعامة ببعض التصريحات العنترية، أو يتصور أن بتوجهه اليساري يمكن أن يحصل على موقع شعبي ما.
لقد أثبتت التجارب دائما أن الطريق للحصول على الاحترام في علم السياسة، هو العمل الحزبي النبيل والقدرة على طرح مطالب مجتمعية حقيقة، وليس السعي الأعمى وراء جهات معينة من أجل تنفيذ أجنداتها الشخصية التي تتعارض مع مصالحة الوطن، تماما كما حصل لحزب الاتحاد الاشتراكي عندما تبنى مشروع قانون ما بات يعرف بـ “تكميم الأفواه” دون أن يدرك لا عواقب هذه الخطوة، ولا ما يرتبط بها. فما قام به قادة حزب بوعبيد هو تماما ما تقوم به الراقصة عندما تهز أرادفها ومؤخرتها لتثير إعجاب الزبائن وتستحوذ على اكبر قدر من “الغرامة”، وأما بقية الليلة فتقضيها مع من سيدفع أكثر غير مهتمة لا بشرفها و لا بكرامتها ولا بنظرة المجتمع لها.
فالاتحاد الاشتراكي لم يسلم من الانتقادات منذ تولي إدريس لشكر قيادته، حيث سبق وأن أثار ضجة وسخط كبيرين عندما دعا عام 2013 إلى إعادة وضع تقاسم الإرث بين الرجال والنساء في خانة مطالب المساواة على أساس حقوق الإنسان. ثلاث سنوات بعد ذلك أي صيف عام 2016 ارتفعت أصوات منددة بشدة استفادة كاتبه الأول من أراض تابعة للدولة في العاصمة الرباط مقابل أسعار بخسة، وهو ما عرف حينها بفضيحة “خدام الدولة”، في إشارة إلى تقديم النظام المغربي امتيازات خاصة لـ “خدامه”، في إطار الريع السياسي. هذا دون الحديث عن الممارسة الاستبدادية المنافية لأخلاقيات العمل السياسي في تدبيره للشؤون الداخلية للحزب والتهديد بالطرد في حق معارضيه لدرجة أن قيادات بارزة بالحزب اضطرت لتجميد وضعيتها أو الخروج بتجربة حزبية جديدة كتيار الديمقراطية والانفتاح لمؤسسه المرحوم أحمد الزايدي الذي تم قبرها في مهدها بعدما خفت حماس رفاقه الذين فضلوا البقاء على الهامش حتى بعد تأسيس البديل الديمقراطي. فماذا حصل؟ وكيف تخلفوا عن مواعد كانوا أول من دعا إليه؟ ولماذا ابتلعت كوادر الحزب ألسنتها رغم شطط زعيمها؟ هل جرت مساومتهم من اجل التزام الصمت؟ أسئلة وأخرى لا زال المتتبع للشأن الحزبي يبحث لها عن إجابة.
فالذي يعتقد أن الاتحاد الاشتراكي حقق انجازا كبيرا بعودته إلى الواجهة السياسية بعد انتكاسة أضعفت موقفه وصورته أمام الرأي العام، فهو واهم لأن أشد المتشائمين كان يتمنى أن يضيع الحزب كل تاريخه ونضاله وصراعه من أجل قضايا الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان على أن يعود بطريقة مُهينة ومذلة زادت من حسرة شريحة واسعة من مناضليه الشرفاء. عاد الاتحاد اليوم تابعا مسلوب الإدارة، بعدما كان ربانا ترغب كل الأحزاب ركوب سفيته والإبحار إلى جواره في رحلة نحو حياة سياسية أكثر ديمقراطية وأكثر عدالة وحداثة. عاد حزب “الوردة” ليلعب دور “الكومبرس” في مسرحية “صراع المصالح” بطلها حزب التجمع الوطني للأحرار، أو بتعبير أدق صاحب الفضل على الاتحاديين، ووليو نعمتهم الذي أعادهم إلى الساحة السياسية، وما قضية مشروع القانون 20-22 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة، بالمفتعل للضغط على الحكومة إلا عربون على تقديم فروض الولاء والطاعة، وشكل من أشكال الانبطاح السياسي لرئيس حزب “الحمامة”. فما هي قصة هذا المشروع إذن؟ ولماذا تبرأت منه كل الأحزاب المشكلة في الحكومة؟
بعدما صدر بلاغ الحكومة المتعلق بالمصادقة على المشروع بتاريخ 19 مارس الماضي، على أن تتم مراجعته على ضوء ملاحظات الوزراء من قبل لجنة تقنية وبعدها لجنة وزارية، رغم أن وزراء الأحرار، باستثناء بنشعبون، دافعوا بقوة على عرضه على البرلمان بالصيغة التي تقدم بها محمد بنعبد القادر، وزير العدل، والتي هي نفس النسخة التي تقدم بها حفيظ العلمي عندما كان وزيرا في حكومة بنكيران، وبعدما تأكدوا من فشلهم في ذلك خصوصا بعد المذكرة التي طرحها مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، والتي ترفض وضع عقوبات سالبة للحرية لكل من دعا لمقاطعة منتوجات اقتصادية، وأن يبقى مستوى التجريم منحصرا في عرقلة النشاط الاقتصادي، صارع زملاء أخنوش إلى الهجوم من خارج الحكومة عبر تسريب النسخة التي تم الاتفاق على عدم اعتمادها ومراجعتها، إلى حين تقديم ملاحظات لجنة التقنية لملاحظاتها ثم التداول فيها في اللجنة الوزارية.
وما قصة “التسريب” باختصار إلا أسلوب ثعلبي نهجه الأحرار للإيقاع بإخوان العثماني في معترك المواجهة المباشرة مع الرأي العام، بدليل أنهم أول من بادر إلى الخروج ببلاغ لإخلاء مسؤوليتهم عملا بمقولة المغربية “اضْرَبني أُوبْكَ، واسْبقني واشْكا”، رغم أنهم المستفيد الأكبر من مشروع القانون، أما الوزير الاتحادي إلا كبش فداء، في موقف لم نكن نريده لهذا الحزب اليساري.
فأين قادة الاتحاد الاشتراكي اليوم من رفقائهم من جيل بوعبيد واليوسفي المعروفين بذكائهم الحاد؟ لذلك كان أولى بهذه الزعامات الوهمية في الوقت الراهن أن تحترم هذا الذكاء، وأن تحترم نخوة الاتحاديات والاتحاديين وأن لا تفسد عليهن وعليهم نشوة الخروج من غرفة الإعدام بسلام وفرحة الاستيقاظ من غيبوبة دامت طويلا، وأغرب ما في كل هذا أنهم أسقطوا عن أنفسهم صفة المشاركة في الحكومة من أجل تنفيذ أجندات جهات معينة، وليس من أجل المصلحة العامة، والأخطر أنهم اختاروا الوقت غير المناسب، وهو ما يجعلنا نتأسف على الإتحاد اليوم بعدما وصل لهذه الوضاعة في ممارسة السياسة، بعد أن عرفناه قويا شرسا بزعامات وطنية شرفت الوطن..