الإنقلاب الناعم
غياب، زعيم الأصالة والمعاصرة بجهة الشمال، أحمد الإدريسي، عن اللقاء التواصلي أمس بطنجة، لم يكن خبرا. كل التوقعات والمؤشرات كانت تؤكد عدم حضوره للقاء الأمين العام للحزب، عبد اللطيف وهبي، لأسباب الكل يعلمها.
غير أن الخبر أمس كان في الكواليس وليس أمام عدسات “الكاميرا”، وهو الإنقلاب الناعم على أحمد الإدريسي، والذي كان جميع “الباميين” في طنجة يضربون له ألف حساب، وكانوا يسبحون بحمده، في الصباح والمساء، سيما عندما يقترب موعد الإنتخابات.
آخر لقاء تواصلي للإدريسي، في مركز بوكماخ، إبان الصراع الداخلي الشهير داخل “البام”، والذي انتهى بالإطاحة بحكيم بنشماش، كانت الأنظار كلها تتجه للرجل، فهو الذي تمكن من جمع أزيد من 500 شخص داخل القاعة أتوا من كل اقاليم الجهة، وتكلف بتنقلهم وأكلهم وشربهم، قبل أن يصعد وهبي للمنصة ويخطب فيهم، وخصص طبعا جزءا من كلمته للثناء على القيدوم أحمد الإدريسي الذي لولاه لكان وهبي يخاطب الكراسي الفارغة يومئذ.
ورغم أن وهبي ذكر الإدريسي بخير في لقاء أمس، غير أنه كان يقول شيئا آخر بعيدا عن أعين “الكاميرا”، كان يسوق ما مفاده أن حقبة الإدريسي انتهت، وإنه ينتظر قرار مفتشية الداخلية التي زارت جماعة “اكزناية” لإتخاذ القرار المناسب في حقه.
حتى بعض قيادات الحزب على مستوى الجهة كانت تردد نفس الشيء، الإدريسي انتهى سياسيا، لكن “البام” سينافس بشراسة على الإنتخابات، معادلة ربما لن تستقيم على الأقل هنا في مدينة طنجة نظرا لثلاث اعتبارات أساسية:
أولا: الإدريسي هو “مول الشكارة” بمعنى أن الرجل هو من كان يتكلف ماليا بالمصاريف الإنتخابية الباهضة في جميع المقاطعات، عندما يتعلق الأمر بالإنتخابات الجماعة، وحتى البرلمانية كان الرجل الذراع المالي للحزب، وسألوا العماري إن شئتم حول هذا الموضوع فلديه تفاصيل مثيرة حوله.
لم يكن الإدريسي فقط ممولا محليا فدعمه كان يصل إلى العاصمة وإلى باقي الأقاليم، ورسالته كانت واضحة يوم جمع الناس في قاعة بوكماخ، ألم يقل في تصريح مثير:” خذاولي كلش خلاولي غير هاد جلابة لي لابس”.
ثانيا: لم يكن أحد يجرأ على إضافة أي شيء أو أن يهمس بكلمة، عندما يقرر الإدريسي، فمن شاء أبعده ومن شاء قربه، بمعنى آخر، كانت للرجل قوة الحسم في الأسماء المرشحة، وقاد باقتدار عملية انتخاب مكتب جهة طنجة تطوان الحسيمة، إذ كان مفاوضا بارعا واسألوا عمدة طنجة، البشير العبدلاوي، الذي باشر معه هذه العملية.
ثالثا: في علاقاته السياسية مع باقي الأحزاب، لم يحسب للإدريسي أنه أخل بوعد قطعه في التحالفات السياسية، حتى قبل أن يلتحق ب”البام”، عندما كان في الحركة الشعبية، قبل أن يختلف مع العنصر ويغادر الحزب في اتجاه “البام”، ونخص بالذكر هنا تحديدا مع حزب العدالة والتنمية، رغم أن الحزبان كانا إلى عهد قريب لا يلتقيان سياسيا، إلا أن عملية التنسيق بينهما كانت تمر بسلالة في طنجة، سيما عندما يشرف عليها الإدريسي.
لأجل ذلك، فإن خوض الإنتخابات بدون هذا الرجل، بعد الإعلان غير الرسمي عن عزله سياسيا، هو انتحار كبير لحزب “البام” في طنجة سيما وأن فئة كبيرة من أتباع هذا الحزب هم مدينون للرجل، ووجودهم في “البام” مرتبط بوجود الإدريسي، وليس بشيء آخر. لذلك لن نتفاجأ بعملية ترحال سياسي غير مسبوقة داخل “البام” قبيل الإنتخابات. فسيخرجون منه كما دخلوا أول مرة. وإن غدا لناظره لقريب.