
أوقفوا إطلاق النار!

مدير النشر
داخل مستشفى محمد الخامس، وتحديدا بالطابق الأول حيث يوجد المركب الجراحي، يرقد الآن تلميذ مراهق يبلغ من العمر 16 سنة، يتحدر من مدينة العرائش، كان أصيب بطلق ناري من البحرية الملكية، عندما كان ورفقاؤه على متن مركب خشبي، بعرض سواحل الشمال، قاصدين الضفة الأخرى.
كان يتنفس بصعوبة بالغة.. وجهه بعد مغادرته لغرفة العمليات كان يقول شيء.. في تلك الأثناء التفت أمه حوله، وبعينين دامعتين حاولت تقبيله فمنعها الأطباء: “لا أرجوك ليس الآن، حتى يستفيق”، يقول لها طبيب وهو يمسك بيدها.
في تلك اللحظات كان الجميع ينتظر استفاقت يوسف، الكل كان يتلهف لمعرفة قصة محاولة هجرته التي باءت بالفشل.
أمام باب الغرفة حيث يرقد المراهق يوسف، ينتصب عسكريان، وإلى جانبهما شرطيان، وعدد غير قليل من الشرطة بزي مدني.. كانت المراقبة جد مشددة على الفتى، إذ لم ترغب السلطات في خروج أي معلومة عنه، حتى وزير الصحة وجه تعليمات صارمة، لموظفيه بمستشفى محمد الخامس: “لا تخرجوا أي معلومة فالقضية حساسة”.
التلميذ الذي يدرس في السنة الثالثة بإعدادية الإمام مالك بالعرائش، دفعته ظروف أسرته الاجتماعية القاسية، إلى ركوب أمواج البحر، في عملية محفوفة بالمخاطر، كان يحلم بالوصول، لكنه عاد جريحا برصاص البحرية الملكية، ولولا تدخل الأطباء لكان واجه مصير الطالبة حياة.
لماذا تطلق الفرقة البحرية الرصاص على مراكب الهجرة؟ سؤال طُرح في قضية حياة و ها هو يطرح الآن مرة أخرى، أما الجواب الرسمي فهو: “قيام القارب بمناورات معادية بهدف الاصطدام، معرضا سلامة فرقة البحرية الملكية للخطر”.
يتبين من خلال هذا الجواب أن عناصر البحرية شعرت بالخطر من قارب خشبي، على متنه مراهقون وشباب عزل، لذلك استعملت أسلحتها من أجل حماية فرقتها من “الخطر” الذي قد يشكله هذا القارب الخشبي!!.
كان بإمكان البحرية أن تصل إلى القارب الخشبي الذي يتحرك بالمجاذيف، دون أن تضطر إلى إطلاق الرصاص، الذي كاد أن يتسبب في إزهاق روح تلميذ دفعته ظروفه الاجتماعية القاسية إلى الهجرة.
كان بإمكان الفرقة البحرية الملكية أن تحجز المركب، وتقود من كان على متنه إلى مقرها، وتقدم لهم الإسعافات الأولية، ثم بعد ذلك تفتح تحقيقا معهم، حول المنسوب إليهم.
في إسبانيا التي يقصدها المغاربة، مهاجرون سريون وغير سريين، عندما تحجز السلطات زورقا أو مركبا على متنه مهاجرون فإن أول ما تقوم به هو إطعامهم وكسوتهم، ثم بعد ذلك تسلمهم إلى منظمة الصليب الأحمر التي تتكفل بهم اجتماعيا.
في سواحلنا الشمالية صار الإجراء الأول هو إطلاق النار، ثم بعد ذلك يتم اقتياد المركب إلى مقر القيادة، ودون غطاء أو أكل أو حتى قطرة ماء، ينطلق التحقيق بعد تسليمهم إلى الشرطة، وكأنهم مجرمون وليسوا ضحايا وضع اجتماعي أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه “مأساوي”.